خطبة الجمعة القادمة 9 أبريل : على عتبات الشهر الكريم بين الأمل والرجاء وحسن الاستعداد ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 9 أبريل 2021م بعنوان : على عتبات الشهر الكريم بين الأمل والرجاء وحسن الاستعداد ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 27 شعبان 1442هـ ، الموافق 9 أبريل 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 أبريل 2021م بعنوان : على عتبات الشهر الكريم بين الأمل والرجاء وحسن الاستعداد ، للشيخ كمال المهدي:
١- فضائل شهر رمضان.
٢-استقبال النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبته الكرام لشهر رمضان.
٣- كيف نستعد لرمضان.
٤- ولو أرادوا رمضانَ لأعَدُّوا لَهُ عُدّة.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 أبريل 2021م كما يلي:
**
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد :-
أخي الحبيب:- تخيل لو أن ضيفا عزيزاً عليك سيزورك في بيتك ماذا ستفعل؟؟
الإجابة واضحة وضوح الشمس في ضحاها. ستقوم بتنظيف البيت وتزيينه وستقوم بإحضار المأكولات والمشروبات لتؤدي حق الضيف.. كل ذلك من باب الاستعداد لهذا الضيف. فما بالك وأنت في انتظار ضيف عزيز.. لا أقول عزيز عليك فحسب.. بل عزيز على الأمة الإسلامية جمعاء.. ولما لا !!! وهو ضيف يأتي بالخيرات والنفحات والبركات والمغفرة والعتق من النيران. تُرَى أٌيُ ضيف هذا؟
إنه شهر رمضان وما أدراك ما رمضان شهر فضله الله على بقية الشهور وخَصَّ لياليه بالفضل المشهور. شهر ترفع فيه الأيدي بالدعوات، وتجأر فيه الألسن بطلب غفران السيئات، شهر تفضل فيه الباري جل وعلا بفتح أبواب الجنان، وتغليق أبواب النيران، وتصفيد مردة الشياطين، وهيأ فيه الأسباب للسمو بأرواح المؤمنين، وتطهير نفوس المخبتين، شهر الصيام والقرآن قال فيه رب العزة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).[البقرة :١٨٥]
** شهر هذه فضائله حَرِيٌ بنا أن نقف عنده وقفة لنفوز به بإذن الله جل وعلا ولنغتم هذه الأيام المباركات ولا ندعها تمر كأي أيام عادية؛ فهي أيام غاليات إن ذهبت الآن قد لا تعود أبدًا؛ فكم من أُنَاس لم يكتب لهم أن يدركوه هذا العام، فلذلك ضع من الآن خطة وهدفا وأصلح النية وأعدها للاستعداد لرمضان، فإن كتب الله عليك المنية قبيل رمضان مت على نية صالحة وعمل صالح إن شاء الله.
** ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الأسوة والقدوة في الاستعداد لشهر رمضان. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون لهم يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، فيدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم، فهاهم نجدهم ينتظرون رمضان ويستعدون له بالدعاء والطاعات ستة أشهر، ومن ثم يحزنون لفراقه ويدعون الله أن يعيده عليهم طوال ستة أشهر أخرى!!
فقد روي عن النّبي صلى الله عليه وسلم انّه كان إذا رأى هلال شهر رجب قال:
(اَللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب وَشَعْبانَ، وبَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ، واَعِنّا عَلَى الصِّيامِ والْقِيامِ وحِفْظِ اللِّسانِ، وغَضِّ الْبَصَرِ، ولا تَجْعَلْ حَظَّنا مِنْهُ الْجُوعَ والْعَطَشَ).
وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا اقترب رمضان أكثروا من قراءة القرآن الكريم، حتى إنه كان يقال شهر شعبان شهر القُرَّاء، وكانوا أيضًا يكثرون من الدعاء في الليالي التي تسبق رمضان بأن يبلِّغهم الله شهر رمضان وهم على خير في دينهم وفي أبدانهم، ويدعونه أن يعينهم على طاعته فيه، ويدعونه أن يتقبل منهم أعمالهم. وكانوا أيضًا يسارعون بالتوبة في كل وقت ويزداد حرصهم على التوبة قبل رمضان فيما بينهم وبين ربهم من ذنوب، وفيما بينهم وبين الناس من حقوق؛ ليدخل عليهم الشهر المبارك فينشغلون بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة قلب.
* فكيف نستعد لشهر رمضان؟؟
نستعد له بأمور ينبغي علينا أن ننتبه لها ونجعلها نُصْبَ أعيننا.
** أولها :- ((التوبة الصادقة))
التوبة التي يتخلص العبد عندها من كل خطيئة تحول بينه وبين هذه الرحمات .
التوبة التي تؤهل العبد لأن يدخل في زمرة من رضي الله عنهم وأيدهم.
وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سنقدم على شهر عظيم مبارك فإن من الأحرى لنا أن نسارع بالتوبة مما بينا وبين ربنا من ذنوب، ومما بينا وبين الناس من حقوق؛ ليدخل علينا الشهر المبارك فننشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر وطمأنينة قلب.
قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: ٣١].
وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)رواه مسلم
جاء رجل إلى الحسن البصري – رحمه الله – وقال له يا أبا سعيد : أجهز طهوري وأستعد لقيام الليل ولكني لا أقوم , ما سبب ذلك ؟
فقال له الحسن : قيدتك ذنوبك .
نعم – الذنوب والمعاصي – سببٌ للحرمان من كل خير .
كم نرى من التفريط وضياع الوقت وعدم استغلالنا لمواسم الخيرات كرمضان وغيره مع علمنا بفضلها، لاشك أن من الأسباب الرئيسية ان ذنوبنا قيدتنا، وحرمتنا هذا الخير . فحاسب نفسك أخي الحبيب على ما اقترفته من ذنوب خلال الأحد عشر شهرا منذ رمضان الماضي.. فلا تدخل رمضان الجديد إلا وقد تبت من ذنوب العام.. نقِّ قلبك ونظفه مما شابه من شهوات وشبهات. تُب إلى الله مما نظرت له عينك بالحرام، واستمعت له أذنك، وامتدت له يدك، وسارت إليه رجلك.. وتذكر أن الله تعالى يغار، وغيرته أن تُنتهك محارمه. وإياك أن تُسوِّف التوبة، وأن يغرّك حلم الله وستره؛ فإن الله تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب*** حتى عصى ربه في شهر شعبان..
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما*** فلا تصيره أيضاً شهر عصيان..
ورتل القرآن وسبح فيه مجتهداً*** فإنه شهر تسبيح وقرآن..
كم كنت تعرف ممن صام في سلف*** من بين أهل وجيران وإخوان..
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم*** حياً فما أقرب القاصي من الداني..
** ثانيها :- نفتح صفحة جديدة للتغافر والتسامح حتى مع من قطعنا أو هجرنا، فنبادر بصلة الأرحام، والعفو عمن ظلمنا، ونصل من قطعنا، قال تعالى:( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:٣٤ ] هذا حتى ننعم بسلامة الصدر وراحة البال، وتفريغ القلب لحسن العبادة.
فالناس اليوم بينهم الآن مشكلات كثيرة، وكل واحد إذا سألته في الغالب: أنت مقاطع أحداً؟ يقول لك: نعم بصراحة نعم مقاطع، من؟ مع الأسف- أخو زوجتي اختلفنا في تجارة، مقاطع ابن خالي؛ لأنه خسّرني في كذا، مقاطع فلاناً؛ لأنه كذا، وهكذا وصدق القائل :-
إلاما التقاطع عباد الله بينكم * وأنتم يا عباد الله إخوان.
فينبغي استعداداً لرمضان تنقية النفوس، لأننا الآن نريد نفساً شفافة، وقلباً رقيقاً للعبادة، فقلب مليء بالأحقاد ومقاطعات فلان وفلان، وقطعية رحم.
إذن، لنصحح العلاقة، ولنبادر بالإصلاح، والقضية هذه فقط عائق نفسي يحتاج قفزة للتغلب عليها فقط؛ لأن المسألة في كثير من الأحيان من الذي يبدأ؟ الاستعداد لرمضان إعادة ما انقطع، نحتاج فعلاً على أعتاب هذا الشهر إلى ترميم العلاقات الرحمية والأخوية بيننا وبين أي واحد قاطعناه بدون سبب شرعي. ولن كر قول النبي صلى الله عليه وسلم (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)
ولنعلم أن هذا التقاطع والتخاصم قد يكون سبب في عدم عرض أعمالنا في رمضان من صيام وقيام وتلاوة للقرآن على الله جل وعلا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (تُعْرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنين والخميس، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَملي وأنا صائم). وفي رواية: (تُفْتَحُ أبوابُ الجَنَّةِ يومَ الاثنين والخميس، فَيُغْفَرُ لكلِّ عبد لا يُشْرِكُ بالله شيئا، إِلا رجلا كان بينه وبين أخيه شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنظِروا هذيْن حتى يَصْطَلِحَا، أنظروا هذين حتى يصطلحا).
** ثالثها:- الإقبال على تلاوة القرآن، ليسهل على النفس تلاوته والتدبر في آياته إذا دخل رمضان، مع تعويد النفس على العمل به، ونحن نرى لاعب الكرة قبل أن ينزل إلى المباراة يقوم بعملية الإحماء .
رابعها :- تعويد النفس وتدريبها قبل دخول رمضان على قيام الليل، حتى تعتاد على طول الوقوف في صلاة التراويح وفي قيام التهجد في العشر الأواخر من رمضان، دون الشعور بالإرهاق أو التعب.
خامسها:- تنظيم أوقاتنا ؛ حتى لا يضيع منا وقت رمضان دون فائدة، ولنبتعد من الآن عن جلسات السمر والسهر، ولنصرف الوقت في الطاعات والأعمال المفيدة والنافعة.
** وفي الختام :- أقول لكم أحبتي في الله (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[ آل عمران: ١٣٣] . وقال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ)[ المطففين : ٢٦] . فكيف يغفل المسلم عن هذه الفضائل.
فمن أراد الفوز والنجاح والحصول على المغفرة وإدراك الرحمة، والعتق من النيران في رمضان لا بد أن يهيئ نفسه ويدربها من الآن ، ويستعد جيدا لكي يصل لهذا الهدف.
فالكل يستعد لرمضان.. فالتجار يستعدون.. والقنوات تستعد.. والمقاهي تستعد..
فهل استعددتَ أنت أخي الحبيب لرمضان ؟
إن رمضان ليس عصاً سِحرية.. حينما يأتي ستجد العيون التي لم تدمع طوال العام تنهمر بالدموع، أو أن الكسل الذى ظل معك طوال العام سيتحول إلى اشتعال إيماني في لحظة!!
- إذَن ماذا تريد أنْ تقول ؟
أريد أنْ أقول: (ولو أرادوا رمضانَ لأعَدُّوا لَهُ عُدّة)، ولذلك فقد قال أحد السلف:
(رجب شهرُ البَذر، وشعبان شهرُ السُقيَا، ورمضان شهرُ الحَصاد)، بمعنى أن كل الذى تريد أنْ تحصده فى رمضان يجب أنْ تزرعه أولاً فى رجب وشعبان، فرمضان أشبَهُ ما يكون بيوم امتحان الطالب، فهل يُعقَلُ أنْ أحدأً يترك المذاكرة طوال العام ثم يأتى ليذاكر فى يوم امتحانه ؟!! لذلك لا يَصِحّ أبداً أنْ تقول: (أنا سوف أتغير في رمضان، أو سوف أتوب في رمضان)، ولكن لابد أنْ تتغير قبل رمضان وأنْ تتوبَ قبل رمضان، وذلك حتى لا تخسر رمضان. ويَكْفِيكَ في ذلك المعنى…هذا الحديث الخطير: (فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المِنبَر فقال (آمين آمين آمين)، قيل يا رسول الله إنك صعدتَ المنبر فقلتَ (آمين آمين آمين)، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني فقال من أدرك شهر رمضان فلم يُغفَر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلتُ آمين). (انظر صحيح الترغيب والترهيب: ٩٩٧).
** أسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان وأن يهل هلاله علينا بالأمن والأمان والسلامة والسلام وان يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال ..
***
كتبه:- الشيخ/ كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف